وفاء جميل
مِن جوبا سلام (4)
دولة جنوب السودان متمثلة في نبض حياتها مدينة جوبا في ظل هذه الأجواء التي يعتريها البيات الشتوي القارص ما زالت تحتضن بكل دفء عملية التفاوض بين أشقائها في السودان الشمالي ، و كلهم أمل و عزم للعمل ، و كسر للحواجز و تدارك للمواقف ، و عبور جسور الصعوبات و إرادة جبارة على تحقيق العدالة و السلام ، و بسط الأمن و الأمان ، و تصحيح الأخطاء التي أدخلت فيهم شبح الفُرقة و الشتات و التمييز العنصري و القبلي ، كل ذلك لترسو بهم سفينة المحبة لبرِ السلام ..
الجولة الآن و كما تبدو أنها الأخيرة و الحاسمة حسب التقدم و الإختراقات التي أفضت إليها الإتفاقات ، و التوقيعات المشهودة بسلاستها و بروح الأخوة و الرفقة و الصداقة السائدة بين الأطراف جميعها تؤكد أنها ستأتي بقريبٍ عاجل يشيع و يفشي السلام الذي كان حُلماً يأبّى أن يتحقق ، و لكنه سيتحقق بإذن الله و بإرادة و جهد الحكومة الإنتقالية و هذا إن تم يعتبر الإنجاز الأول للحكومة الإنتقالية منذ أن وُلدت و سيكون إضافة إيجابية لها و نتمنى أن يكون داعماً لتحقق رغد الحياة و باسطاً لمعاناة الشعب الذي يصفعه الضنك ، و يلاطمه الضيق ، و لا تحرك الجهات التنفيذية ساكناً ، إذ يتناسوا أنه كان سبباً مباشراً في وجودهم و يجب أن يتذكروا هذا ملياً قبل أن يذكرهم الشعب بطريقته الخاصة ..
الوضع التفاوضي يسير حسب المتفق و المتوافق عليه و أيضاً حسب الفترة الزمنية المحددة له ما لم تظهر عائقة تعيق تقدمه ، حيث لا تعقيدات حتى الآن إلاّ قليلاً ، و الجدير بالذكر أنه خلال الأيام الماضية تمت عدة إتفاقيات أبرمت ،وقد قطعت شوطاً كبيراً بجميع المسارات بما فيها مسار الشرق و مسار الحركة الشعبية شمال بقيادة (الحلو) و مسار دارفور ، فقد توصل الطرفان لإتفاقين مع مسارين كالآتي :
مسار الشرق و قد تم الإتفاق على ملفات عديدة أهمها المبادئ العامة و الديباجة و المسائل المتعلقة بنظم الحكم و التعليم و الصحة و قسمة الثروة و العديد من القضايا الشائكة التي تخص المناطق المتضررة بولايات الشرق الثلاثة ، و فيما يخص مسار دارفور فإنه يبشر بأن التفاوض قد قطع شوطاً بعيد بحيث تم التفاوض على (العدالة و المصالحة) ، و (الأراضي و الحواكير) ، و تم الإتفاق على أربع آليات و هي المحكمة الجنائية الدولية ، و العدالة التقليدية ، و آلية القضايا ذات العلاقة بالعدالة و بالمصالحة ، و تم التوافق حول ملف الأراضي و الحواكير بإعتبار أن قضية الأراضي و الحواكير كانت من القضايا المعقدة و المختلف فيها بقوة ..
إذن الجميع يرغب في معالجة الحرب و إبادة أسبابها هذا مهم ، و لكن يجب الآ ننسى أن الحرب الأهلية دمرت الأوطان و عطلت الأذهان و صار لابد لنا أن نحكم صوت الحق ، و نعمل على بسط الأمن و الإستقرار عن طريق السلام ، دعونا نتفق أن السلام هو الهدف الأساسي و الإستراتيجي الأول لبناء مؤسسات الدولة و الترابط المجتمعي و التنمية البشرية و المادية ، و ليس لمؤسسات الدولة في الفترة الإنتقالية فحسب ، إنما في كل الفترات ، لأن بالسلام الوطني الشامل حنبنيهو ، و لابّد أن نقف و ندعم السلام و نؤمِن و نرسخ للتعايش السلمي فيما بيننا ، و أن نضع مصلحة الوطن فوق جميع المصالح ، و نتفهم أهمية المرحلة التي تمر بها البلاد و ما يحاك ضدها من فِتن و تدخلات ، و ألآ نلتفت للشائعات لأنها ما أن وقعت على قوم إلاّ فرقتهم ، إذن الوحدة الوطنية هي أساس التضامن و التنمية و الإستقرار و الإنجاز ..
للحديث بقية