الخميس, 07 مايو 2020 04:07 صباحًا 0 641 0
عاصم البلال الطيب يكتب:نتف وخواطر من بيت الحبس
عاصم البلال الطيب يكتب:نتف وخواطر من بيت الحبس

   بشير حسين الإمام الرحيل في  زمن الجائحة

مجمع الموت

المقابر، آخر مجمع بينى وبينه فوق ظاهر ثراها مشيعيين زرافات أحد ارحامنا قبل زمن الكورونا. بث رحمي و شيخى وصديقى بشير حسين الإمام طمآنينة فى نفسى هدأت من روع الوجود فى مراقد الموتى مصيرنا المحتوم و المختوم بالكورونا وغيرها حتى ونحن بمنتهي الصحة والعافية. حدثنى عن ادب الموت وذكرنى وكلانا عابر العقد الخامس، أن إقبالنا على الآخرة غالب إدبارنا عن دنيانا،زدتني من يومها زهدا شيخى بشير حسين الإمام وابتسامتك بصمتك المسجلة فى وجداننا تكسو وجهك وتعلوه سحابة ممطرة علما ووعظا،أذكر ونحن طلاب ثانوية  و بأدق التفاصيل عودتك كعودة غريب لقريتنا ديم القراى مفتتحا كنتينة عند مدخل السوق في الطريق المؤدى لآل الفخيم الأرباب الرجل الذى لسوء حظنا لم يجد غيره مثل ارابيب أُخر من يوثق لهم، أنت منهم ونجوت بتوثيقك لسيرتك لعموم البلاد والعباد حتي خارج الحدود بالعلم النافع  بلسان الفقيه المجدد

صاحب الكنتين
بدوت غريبا  لى في سبعين القرن الماضى شيخى بشير  فى القرية وإبن خالتى المسافرة في برزخها ست النسا، هم أهلنا يسقطون همزة السطر والقطع وصلا وبساطة. وجدت وابن الخالة عبقرينا عاطف يوسف حمد النيل ضالتنا فى كنتينة من ظننته غريبا لمغادرته القرية باكرا في زمن السفر عزيزا وليس نزهة ذهابا وإيابا، إبن الخالة عاطف كان أولنا في المدرسة وفشلت شخصيا في إزاحته حتى إفترقنا، غريب في حياته وأطواره، صال هنا وجال هناك وتنعم به الآن كردفان مقيما معلما ومرشدا، صحبتي لعاطف فتحت آفاقى تشبها به، حواراتي معه كانت عميقة، هو من دلني على كنتينة الغريب حقيقة علي ادبيات سوق القرية البسيط، لنلتقي النحيل متوسط الطول شابا يكبرنا بسنوات معدودات لكنه يفوقنا بأفق واسع الإطلاع، كنت مستمعا بين إثنين اعرف عبقرية ابن الخالة التي قادتني للتعرف علي عبقرية صاحب الكنتين وإذ هو كان مشروعا عظيماً لعالم قادم باجتهاد، شدني الفضول للتعرف علي صاحب الكنتين المتدين الورع ما كنت اسمعه عنه متناقلا فى مجالس القرية المعتمدة الكذب غير الضار وكذا القطيعة غير المؤذية بهارات الانس والسمر،المجالس تتحدث عن صاحب الكنتين كإسطورة، أسمع الحوار بين صاحب الكنتين وابن الخالة واشارك بحذر، كم قضينا متآنسين مستفيدين في تلك الكنتينة لا أدرى، حتى أغلقها صاحبها المثير للإهتمام وغادر القرية مجددا بعد حقبة أحسبها الآن خلوة لله افتقدنا معها نحن محاضرات صعب التوافر عليها بين أصحاب كنتينات القرية. 

شعراوى السودان
 عن بعد،تتبعنا مسيرة صاحب الكنتين شيخنا بشير وقد بلغت شاشة التلفاز عزيزة المنال والوصول، وكنا نحن أبناء القرية نفاخر بعالم خرج من بين صفوفنا واعظا وراشدا وهاديا مجددا،شيخ مما تسامعنا عاش شبابه مما مكنه من مطلوبات الشيخ الفقيه المجدد، إلتهم كل الكتب المطالب المستشيخ المستفقه بمطالعتها بفهم وعمق، وكما جلس للعلماء من قبله متخيرا فكان شيخنا بشير خلطة سحرية وبارع فى تشنيف الآذان بالإهتمام بروح أدبيات الفقه والسيرة وشتى علوم الدين، قدرته علي الجذب عالية، محبوه ومريدو علمه مرتادو مجالسه يشبهونه بالشيخ الشعراوى ربما لشبه فى طريقة الحكى والحركات والإيماءات، مجلسه فى جامع الخرطوم العتيق من العلامات الفارقة في حياته القصيرة بمعيارية العمر المديد بالجزل والعطاء خاصة بالسودان والمملكة العربية السعودية، ذاع صيت الشيخ بشير وهو يشنف  أذن السامعة بطريقة علمية فقهية متسقة مع روح العصر، أما في حياة ارحامنا، يا لبخت من شهد شيخ بشير عقد قرانه او مماته، فمن غيره يتقدم محدثا عن مفاهيم ومقاصد جل الواقعات و المناسبات والوقائع والنوائب، يربط الأشياء ببعضها يغزلها ينسجها قطعة حريرية لدنة طيعة تقلبها كيف تشاء، مدرسته تبشيرية تجانب التنفيرية، لا يغلظ ولا يكثر من إسداء النصح المباشر، ولايعيبن إلا في حدود ما يقبله البشر

حائط المسجد
دارت الايام، افترقنا وحتي يومنا وعاطف إبن خالتى وما عدنا نلتقى إلالماما وعجالا، ضرب هو في فجاج الارضين وخلق الله بعبقريته الفطرية أين ما وقع نفع وحل نزل أهلا وسهلا، اما انا بعد جولة حياتية، لا أدري كيف وجدتنى امارس الصحافة إحترافا ممارسة تشارف الأربعين سنة، علاقتى بوسط الخرطوم ممتدة منذ عملي بالصحف عقب الإطاحة بنظام مايو، ندعى بأننا تتلمذنا في جامعات الممارسة علي ايادى عتاة محترفى المهنة وأدبائها،ذات جمعة منتصف ثمانين القرن الماضى ، كنت ضمن فريق عمل لإصدار ما يعرف بالعدد الإسبوعى المتميز لصحيفة الإسبوع المستقلة، نتوقف لأداء الصلاة، أقرب جامع، جامع القوات المسلحة قبالة القيادة، ذهبت لأداء الصلاة، وانا أحتل مجلسى متكئا كعادتى علي حائط المسجد الخلفى، فركت عينى لإستجلاء وجه الإمام الشاب خطيبا مفوها ذرب اللسان طلقا، له وقفات ساخرات ساحرات قطعا للإسترسال وتجديدا لشد وجذب الإنتباه، كان لغبطتي خطيب المصلين من علية المجتمع علما وفقها ومناصب لزوال، الشيخ بشير حسين الإمام، ومن يومها إعتدنا علي إنطلاقة فقيه بمقايس عصرية، لم ينس طلب العلم الدينى شيخنا من طلب الدنيا، فأسس أسرة علي بنيان قوى عامرة بالتقوي وصلة الأرحام، لايتخلف شيخنا بشير عن مناسبة إجتماعية فرحا كانت ام كرها، لاتفوته دافنة وزيارة مريض، لا يلومنك مطلقا،ولن  يلومنن لوعادنا وعلم بأننا تخلفنا عن تشييعه الذى إنتهي بانتهاء مراسم الدفن إلتزاما من أسرته بالطوارئ الصحية التي أجزم إلتزامه بها قبل أن تخطفته أيادى الموت مساء الثلاثاء الماضى عقب الإفطار إثر علة مفاجئة أسلم  بعدها الروح الطيبة لبارئها وسلمنا نحن لأحزاننا في زمن الجائحة التي أحسن من كان يحدثنا عنها شيخنا بشير حسين الإمام من عدة زوايا ولو من الطبية كذلك لبرع وأجاد،كم حزنت وحظر التجوال بإمرة الجائحة غيبنا عن مرافقة جثمان شيخنا بشير لمثواه الأخير، بت ليلتى وصوره منذ أيام القرية تسامرنى ووعوده بالكتابة الراتبة تؤلمني انها  مجرد وعود مع وقف التنفيذ أبديا. جائحة مثل هذه الجائحة دون إصابة بها مصابها كله عظيم ،ربما يتوالي في زمنها رحيل ارقام فخيمة تبقيها فى الذاكرة عالقة  حتي يوم بعثها، فسبحان الله ..أجواء كورونا كوفيد١٩ تغمغم أجواء الرحيل بها وبدونها بظاهرة تباعد المشيعيين وتوجسهم علي قلتهم، وتلك إشارات لو يفهمون. ورحمة من الله تتغشاك شيخنا بشير حتى بعثك وزفك لجنتك التي لأجلها سعيت وعملت

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
عاصم البلال الطيب يكتب: نتف وخواطر من بيت الحبس بشير حسين الإمام الرحيل في زمن الجائحة

محرر المحتوى

مسئول أول
المدير العام
مسئول الموقع

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة