التعاون السوداني الاقتصادي والتجاري والنفطي وغيره مع دولة الهند رائدة العالم في صناعات الطاقة والتي تحتل المرتبة الخامسة في الاقتصاد عالمياً وسوف تحتل قريباً تدريجياً المرتبة الرابعة عالمياً, وهي إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم في المشاريع النووية والطاقة والتي تشكل تهديداً للقوى التقليدية في العالم، بعد أن تمكنت الهند من التفوق على الصين في النمو الاقتصادي العالمي وعلى بريطانيا وفرنسا ليصبح الاقتصاد الهندي الرابع عالمياً بعد كل من الولايات المتحدة، الصين، اليابان. مع وصول الناتج المحلي الإجمالي للهند إلى 3.29 تريليون دولار تقريباً، مقارنة مع 2.99 تريليون دولار، ويتوقع أن يبلغ 2.92 تريليون دولار، والفرنسي 2.85 تريليون دولار تقريباً.
تعاون اقتصادي
استمر دعم الهند للسودان في المحافل الدولية حين صوتت الهند ضد قرارات الأمم المتحدة المنتقدة للسودان في العام 1993، واعترضت الهند على محاولات الضغط على السودان للانسحاب الإجباري من صندوق النقد الدولي. وهناك تعاون في مجالات اقتصادية كثيرة وفق رؤية إستراتيجية هندية محكمة تحفظ المصالح المشتركة بين البلدين والتعاون في المجالات الاقتصادية وغيرها من زيادة الإنتاج النفطي والصناعي والزراعي وذلك لما يمثله النفط من أهمية اقتصادية للدولتين، وكما تعلمون شركة النفط الهندية كان لها استثمار ضخم في السودان يقدر بنحو (3 بلايين دولار) قبل انفصال الجنوب وتوقفت عن العمل في مجال البترول فهل تم تجاوز العقبات التي تعترض هذه العلاقة خاصة مسألة الديون المستحقة للهند؟ علماً أن الشركة قطاع خاص والقطاع الخاص في الهند له استقلاليته مثل اتخاذ القرار وكيفية تنفيذه، وللشركة النفطية مديونية على السودان بلغت 98 مليون دولار وتم التوصل إلى تسوية وجدولة تلك الديون بعد مفاوضات مع الشركة أثناء زيارة وفد حكومي للهند، ووعدت الحكومة السودانية الشركة بالسداد العاجل.
جهود لإعفاء ديون السودان
الهند تقود الجهود لإعفاء السودان من الديون التي يعاني منها الاقتصاد السوداني والتي بلغت (54) مليار دولار منها (85%) متأخرات، والمتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية بلغت (700) مليون دولار، بينما بلغت المستحقات لصندوق النقد الدولي ملياري دولار. نسب الديون الخارجية بلغت (166%) من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالحد البالغ 36%.
بعد التدهور في جميع المؤشرات والتراجع الكبير في إجمالي الناتج المحلي والإيرادات الحكومية، يجب إيجاد آليات لتخفيف الديون للحد من الفقر ولوضع إستراتيجية لخفض الفقر في السودان، فالوضع الاقتصادي السوداني الراهن وضع معقد وصعب نتيجة الاستمرار في التشخيص الخطأ للمشكل الاقتصادي واتباع السياسات الخاطئة مما تسبب في تدهور الاقتصاد والتهريب، وينبغي محاربة الفساد والمفسدين وتنظيم الموارد المالية والاعتناء بها ومكافحة التهريب وتقليص الوظائف الدستورية ومخصصاتها التي أنهكت الاقتصاد واستثمارها في مشاريع استثمارية تفيد الاقتصاد السوداني، واستيعاب الفائض الوظيفي في المشاريع الزراعية والصناعية وغيرها في مجالات منتجة، ومحاربة تجارة العملة التي كانت سبباً في تدهور الاقتصاد، وتشجيع وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وأموال المغتربين وذلك بسن قوانين تحمي المستثمرين والمغتربين، وتقليص المدة الزمنية التي تمكنهم من عقد صفقاتهم بأسرع ما يمكن وتسهيل إجراءاتهم.
على الدولة القضاء على الفساد بأنواعه حتى يخرج الاقتصاد السوداني من الركود، إذا لم تتم هذه الأشياء فلن يتحسن وضع الاقتصاد السوداني.
الهند عانت من الحروب والاضطرابات لكنها خرجت من الفقر والكساد لتحقق أسرع نمو اقتصادي في التاريخ، وهي مرشحة أن تكون من الدول العظمى في 2020م، وتتميز بثبات وقوة المواقف السياسية ودعم الدول وعدم التدخل في شؤونها، وتمتلك مقدرات اقتصادية ضخمة جداً، موارد طبيعية، قوة بشرية، رؤوس أموال، وهي أكبر مستثمر في الأوراق المالية الأمريكية وأكبر دائن لأمريكا.
الاقتصاد والمال لا يقومان على رهان وخيارات محددة بل على خيارات متنوعة ومتعددة.
التحرير الاقتصادي
ولجلب الاستثمارات الأجنبية للهند تم تحرير الاقتصاد الهندي ورفع العوائق التجارية وخفض نسبة الضرائب وكسر الاحتكارات الحكومية، وشجعت المنافسة خطوات أدت لتدفق الاستثمارات فانتعشت الزراعة والصناعة وقطاع الخدمات، وفي المحصلة تقلص التضخم وزاد نمو الاقتصاد الهندي بنسبة 7% سنوياً على مدار خمس سنوات متتالية، لم تكتف الهند بذلك فقط فقد دعمت المشاريع الصغيرة كونها لا تحتاج لرأس مال كبير من جهة وتسهم في تشغيل أعداد كبيرة من جهة أخرى، وتمت مساعدة الشركات الصغيرة بالقروض والإعفاءات المالية علاوة على منحها تسهيلات خلال عمليات التصدير والشحن الجوي.
سياسة الهند البارعة أسهمت في مضاعفة حجم الإنتاج الصناعي بأكمله، وأصبحت الهند تصدر كل شيء من الكيماويات والمنسوجات إلى معدات النقل والبناء وصولاً إلى الألماس والذهب لتتربع بذلك على عرش أكبر نسبة نمو اقتصادي في العالم، وتتجه سريعاً لتستحوذ على أكبر حصة من الاقتصاد العالمي.
رسم الاقتصاد الهندي طريقاً مغايراً له ليحافظ على وتيرة نموه المتسارعة التي تعد الأعلى بين الاقتصاديات الصاعدة ليحقق هدفه المنشود بأن يصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2020. في الوقت الذي مازالت تخيم فيه أجواء الضبابية على آفاق الاقتصاد العالمي للسنوات الثلاث المقبلة بسبب هشاشة النمو في اقتصاد الدول المتقدمة والأوضاع الاقتصادية, وتعتبر الهند من الدول المهمة والمؤثرة في حجم التجارة العالمية، واستفاد الاقتصاد الهندي من تراجع أسعار السلع العالمية؛ فضلاً عن تطبيق بعض الإصلاحات المتعلقة بالأسواق لتعزيز النمو الاقتصادي.
تتميز الهند بالتطور في المجالات التقنية الحديثة، فهل يمكن الاستفادة من هذا الأمر في دفع التطور التقني بالسودان؟
منظومة الاقتصاد العالمي
الهند تعتبر منافساً قوياً في منظومة الاقتصاد العالمي، وهي تقدم نجاحات اقتصادية وصناعية وتقنية وفضائية مبهرة للعالم واضعة المصلحة الاقتصادية فوق أي اعتبارات سياسية وأيديولوجية أخرى.
تمكنت الهند من إثبات وجودها خلال عقدين من الزمان، واستطاعت أن تبني الإنسان لتتجاوز بطموحاتها الاستثمار خارج حدودها لتعزيز وإنعاش الاقتصاد العالمي من خلال ما تملكه من طاقات شمسية وموارد، وتعد نموذجاً اقتصادياً وصناعياً يخدم أكثر من نصف سكان العالم.
متى ما تحررت التجارة الهندية من خلال موانئ ذكية لهذه الدول لتُربط مع عدد من موانئ البحر الأحمر ستنتعش معها قارة إفريقيا أولاً ثم أوروبا التي سيدفعها الفضول لأخذ حصة من تركيبة الاقتصاد العالمي الجديد.
تنوع القطاعات
تتنوع القطاعات الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر في الهند لتشمل قطاع الخدمات المالية وغير المالية، الاتصالات السلكية واللاسلكية، النقل، الصناعة، الوقود، المواد الكيميائية، أنشطة البناء، العقاقير والمستحضرات الطبية وغيرها، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي حسب إحصاءات البنك الدولي قرابة 2,182.577 مليار دولار خلال عام 2015، محققاً نمواً بنسبة وصلت إلى 6.4% مقارنة بعام 2014. وتعتبر الهند من الاقتصاديات الآسيوية النامية التي حافظت على وضعها الاقتصادي خلال الأزمة المالية العالمية نتيجة التنشيط المالي الكبير الذي أتاحته سياستها وانتهاجها أيضاً لسياسة خفض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، إضافة إلى ارتفاع الإنتاج الصناعي فيها وخفض اعتمادها على الصادرات.
تفعيل العلاقات الخارجية .. ولتفادي التدهور الاقتصادي ينبغي على الحكومة السودانية ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد دراسة الوضع الاقتصادي المنكوب للبلاد وحل هذه الأزمة التي لازالت تستفحل يوماً بعد يوم مع ضرورة تفعيل العلاقات الخارجية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لحل مشكلة الإرهاب والحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة التي تفرضها أمريكا على السودان.
إدارة الأزمة
كما أن أكبر المخاطر ليست بسبب الديون فقط، ولكن بسبب الفشل في أخذ الخطوات اللازمة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، فإدارة الأزمة أكثر صعوبة، وبالتالي تكون النتائج مؤلمة، وتصبح الأزمة خطيرة على السودان، فالاقتصاد الهندي درس مهم لنا ولحكومتنا للخروج من أزمتنا الاقتصادية.